banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

تحليل ثقافي من العراق لأحداث لبنان
ثقافتنا - العدد 13
العالم الإسلامي
محمد مهدي الآصفي
1427

الوعد الصادق
دلالات ودروس عن
انتصار حزب الله على إسرائيل (1/2)
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه، فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ، وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ. (سورة الأنفال/39-40)
المدخل:
قاوم «حزب الله» الجيش الإسرائيلي نحواً من خمسة أسابيع في مواجهة شرسة أدخلت فيها إسرائيل سلاحها البري والجوي والبحري واليّاتها العسكرية المتقدمة، ولم تتمكن أن تحرز أي تقدم عسكري حقيقي خلال هذه المدة....
لقد كشفت حرب الـ 34 يوماً أن الانطباع الموجود عند الأنظمة العربية عن الجيش الإسرائيلي وقوته الهائلة، وإمكاناته الضخمة وقدراته العسكرية، لا تتجاوز أن تكون أسطورة من نسج الخيال الإسرائيلي، والهزيمة النفسية للأنظمة العربية. ومن وراء هذه الأسطورة الإعلام الإسرائيلي والاستكباري الكاذب، والحرب النفسية إلى تحسن إدارتها إسرائيل، وهي قائمة على الكذب والاختلاق.
ولقد كشفت المواجهات الأخيرة التي خاضها شباب حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي ثغرات الضعف الكبيرة في الكيان العسكري الإسرائيلي.
إن من الخطأ أن يحتقر الإنسان عدّوه، فلا يأبه به، ولا يهتم له، ولا يراقبه بحذر، ولا يحتاط له... ولكن في نفس الوقت من الخطأ أن يتهيّب الإنسان عدوه، ويشعر تجاهه بالهزيمة النفسية والضعف والعجز.
إن «حزب الله» بمقاومة محدودة، في بلد صغير محدود، وبتسليح محدود، وعتاد محدود، وإمكانات مالية وإعلامية محدودة، استطاع أن يحبط لوحده أسطورة الجيش الذي لا ينهزم، ولم يتمكن الجيش الإسرائيلي بكل تجهيزاته الحديثة، وبكل همجيته أن يسجل انتصاراً عسكرياً حقيقياً على حزب الله.
وسوف تحاول إسرائيل أن تستعيد هيبتها العسكرية الأسطورية في العالم الإسلامي والعربي، ولكن عبثاً تحاول ذلك، وما فقدته إسرائيل في جنوب لبنان، على أرض الواقع لا تعوضه بالإعلام الوهمي الكاذب، والحرب النفسية مرة أخرى.
إن القتال الضاري الذي جرى بين «حزب الله» و«إسرائيل» كان إيذاناً بمرحلة جديدة من الصراع الإسلامي الإسرائيلي(أو العربي الإسرائيلي)، وكانت هي القفزة النوعية الثانية في علاقة المقاومة بإسرائيل.
كانت القفزة الأولى انسحاب إسرائيل من أراضي جنوب لبنان بعد أن عجز عن مواجهة حزب الله.
ثم كانت القفزة النوعية الثانية هزيمة إسرائيل في مواجهة حزب الله، عندما اخترق حزب الله الحواجز الأمنية الإسرائيلية وأسر جنديين إسرائيليين، وقتل ثمان من جنوده، ولم تتمكن إسرائيل خلال خمسة أسابيع(من القتال) مع حزب الله أن تحرز نصراً عسكرياً حقيقياً في مواجهته مع حزب الله.
ونظراً لأهمية هذا الحدث في مواجهتنا العسكرية الحضارية لإسرائيل، فسوف نحاول، إن شاء الله، أن نستخلص مجموعة من الدروس والدلالات من «حرب الأسابيع الخمسة» تنفعنا في واقعنا العسكري والإعلامي والسياسي، وفي علاقتنا بأمريكا، وإسرائيل، ومجلس الأمن، وفي تحديد الموقف من الأنظمة العربية، وعلاقتنا بالأمة الإسلامية الكبيرة، والحركة الإسلامية المعاصرة.
وفيما يلي مجموعة من المطالعات والدروس والدلالات والتأملات التي تكتنف هذا الحدث التاريخي الكبير.
(1)
المشروع الإسرائيلي في إعلان الحرب على حزب الله
التوجيه الشرعي لعملية حزب الله:
كانت القضية في البدء اختراقاً شجاعاً للحواجز الأمنية الإسرائيلية من قبل شباب حزب الله وقتل جنود ثمانية للكيان الصهيوني وأسر اثنين منهم.
وكان الدليل الذي أعلنه حزب الله لهذه العملية الشجاعة كافية لمشروعية الاختراق والقتل والأسر، على صعيد القانون الدولي.
فإن لحزب الله رهائن في سجون إسرائيل، اختطفتهم إسرائيل من الأراضي اللبنانية، وهؤلاء في القانون الدولي رهائن، ولا يعدّون من الأسرى، ولحزب الله الحق في استنقاذ رهائنه من سجون إسرائيل، عندما تعجز المنظمات الدولية عن المطالبة بحقوقه، فهو يريد أن يمسك بأسرى من الكيان الصهيوني ليطالب بهم الرهائن اللبنانيين الموجودين في سجون إسرائيل.
وهذا حق لحزب الله، على صعيد القانون الدولي، ما لم يجد حزب الله طريقاً آخر لاستنقاذ أولئك الرهائن من سجون إسرائيل.
وأعلن حزب الله هذه الحقيقة من أول يوم دفعاً لأي ذريعة تتشبث بها إسرائيل للإقدام على إشعال نار الحرب في المنطقة .
القيمة الإسلامية والعسكرية لعملية حزب الله:
كانت العملية شجاعة حقاً ، يعرف قيمتها كل من تعنيه هذه القضية إيجاباً أو سلباً، وكانت تحمل قيمتين كبيرتين من الناحية الإسلامية والعسكرية.
لابد أن نتوقف عندهما.
أما الأولى فهي الاستجابة لنداءات استغاثة «حركة حماس» للمسلمين في صد العدوان الإسرائيلي عنها، الذي أخذ شكلاً همجياً وعدوانياً، اقتحمت فيه إسرائيل المدن ودخلت بيوت الناس عنوة، واختطفت أعضاء المجلس النيابي والوزراء وأمطرت المدن الفلسطينية بوابل النار (من أجل أسير إسرائيلي واحد) طالبت به حماس إطلاق سراح الرهائن الفلسطينيين من الأطفال والنساء فقط من عشرة آلاف رهينة فلسطينية في سجون إسرائيل.
قامت إسرائيل بهذه الهجمات الهمجية، على كل المقاييس الدولية، وعلى مقاييس الغابات أيضاً، من أجل أسير واحد إسرائيلي فقط... في جو دولي خانق من الصمت العربي والإسلامي والإنساني(لو لا بعض الحالات القليلة)جداً.
فكان الاختراق الصاعق الذي قام به حزب الله لحدود فلسطين المحتلة... يمثّل استجابة الضمير الإسلامي لنداء استغاثة «حركة حماس» الإسلامية. ولأهمية هذه النقطة في «شبكة الولاء»، في الأمة الإسلامية الكبيرة، سوف نخص هذه النقطة بدرس خاص في هذه الدروس إن شاء الله.
- القيمة الثانية: كسر حاجز الخوف من الكيان الصهيوني. فقد اكتسبت إسرائيل هيبة عسكرية «وهمية»، تفوق واقعها العسكري أضعافاً مضاعفة، وكانت هذه الهيبة من صنع الإعلام العسكري والسياسي لإسرائيل وللغرب من جانب، ونابعة من الروح الانهزامية الضعيفة للأنظمة العربية المتهيبة من إسرائيل من جانب آخر.
وكانت إسرائيل توظّف هذه الهيبة العسكرية «الوهميّة»، في فرض ما تريد من شروط على الأنظمة العربية، وجرّها إلى حالة التطبيع، وإقامة العلاقات معها، والاعتراف بشرعية وجودها في الشرق الأوسط.
وكان ضعاف النفوس، والمهزومون نفسياً من المسلمين، في هذا الاتجاه.
فكانت عملية حزب الله الشجاعة إقداماً جريئاً، كَسَرَ هيبة الجيش الإسرائيلي وأثبت بالدليل القاطع إمكانية اختراقه، وَكَشَفَ عورات هذا الجيش... قام بها شباب من حزب الله يعمر قلوبهم الإيمان بالله تعالى، والثقة بوعده ونصره، بسلاح وعدة محدودتين، وإيمان وثقة بالله لا حدّ لهما، وهذه قيمة ثانية تستحق الكثير من الثناء والإكبار.
الغطرسة الإسرائيلية والمشروع الإسرائيلي:
ولكن إسرائيل اعتبرت هذا التحدي جرحاً لكبريائها وهيبتها العسكرية في المنطقة والعالم، وأخرجت القضية إلى الدائرة الدولية الواسعة، واعتبرتها عدواناً من حزب الله، واعتبرت لبنان مسؤولاً عن هذه العملية، فبدأت بعدوان شامل على لبنان- كله- وأعلنت الحرب على حزب الله وعلى لبنان، وحوّلت هذه العملية إلى قتال واسع وشرس ضد «حزب الله»، أدخلت فيه إسرائيل قواتها البرية والبحرية والجوية، لتحقيق النقاط التالية:
1- توجيه ضربة عسكرية قاصمة إلى حزب الله، لا تقوم بعدها لحزب الله قائمة في لبنان كله، وتكون درساً بعد ذلك للحركة الإسلامية، في كل أنحاء العالم الإسلامي!!
2- احتلال لبنان عسكرياً، كما حدث أن احتلت لبنان مرة سابقة، لتملي على لبنان شروطاً قاسية للانسحاب العسكري، منها تجريد حزب الله من سلاحه واعتباره حالة إرهابية ومليشيا محظورة دولياً ولبنانياً.
3- إعلان ربط المقاومة الإسلامية (حزب الله) بـ «إيران»و«سوريا»، واعتبارهما مسؤولتين عن نشاط حزب الله وأعماله العسكرية، واستحصال مبرر إعلامي من خلال ذلك لضرب إيران وسوريا وإجبار إيران على التخلي عن مشروعها النووي، وإجبار سوريا على الدخول في «بيت الطاعة» السياسية لـ«أمريكا»، كما طاوع من قبل نظام آخر، كان في صف الرفض للنفوذ الأمريكي في المنطقة، ففدى قتلى الأمريكان في حادث الطائرة الأمريكية بالمليارات من بيت المسلمين الذي خصّه الله تعالى لجياع المسلمين في الهند وباكستان وأفغانستان وبنغلادش وأفريقيا، وهم أكثر من مائة مليون مسلم، لهم الحق في كل دولار من المليارات التي فدى بها هذا النظام قتلى أمريكا في حادث سقوط الطائرة الأمريكية.
4- إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد يبتني على الأسس التالية:
أـ قبول الاحتلال الإسرائيلي
ب- تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية وتبادل العلاقات السياسية والعسكرية والتجارية مع إسرائيل، والإقرار بشرعية الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة.
ج- استقرار الاحتلال والنفوذ الأمريكي في المنطقة.
د- إنهاء حالة المقاومة لإسرائيل.
وقد كان لأمريكا دور كبير في توسعة دائرة هذه الحرب وإطلاق العنان لإسرائيل لضرب البنية التحتية للبنان وتخريب بيوت الناس على رؤوس أصحابها، ورفض كل مشروع لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن، ريثما تحقق إسرائيل انتصاراً عسكرياً على حزب الله، لتنطلق من موقع القوة على طاولة المذكرات.
ومهما ينسى اللبنانيون من شيء فلا ينسون أن بلادهم كانت تحت وابل الصواريخ والقنابل والمتفجرات الإسرائيلية، وتتهدم بيوتهم على رؤوسهم، وانعقد مجلس الأمن لإصدار قرار وقف إطلاق النار، فعارضت أمريكا وإنكلترا إصدار مثل هذا القرار، واستخدمتا حق الرفض، وبلغ من سخط الحكومة اللبنانية على أمريكا أن رفضت استقبال «رايس» وزيرة خارجية أمريكا في بيروت، وإذا نست الحكومة اللبنانية هذا الموقف الأمريكي- الإنكليزي اللاإنساني من الكارثة التي حلت بلبنان فهي سيئة الذاكرة حقاً.
لقد كانت أمريكا تصر على أن تحقق إسرائيل أي إنجاز عسكري على الأرض، يعطيها تفوقاً عسكرياً على حزب الله، في المفاوضات، وإن كان ثمن ذلك تخريب لبنان الكامل.
الخيبة الكبرى
ولكن شاء الله تعالى، ولا رادَّ لمشيئة، أن تَخيبَ إسرائيل، وتدخل في أكبر حرج عسكري وسياسي وإعلامي، واجهته منذ ولادتها «غير الشرعية» إلى اليوم، ووافقت على قرار وقف إطلاق النار، مرغمة، لئلا تتسع دائرة الهزائم العسكرية المنكرة التي تكبدتها، ولئلا تفتضح أكثر من ذلك في تصريحات جنودها وضباطها العسكريين المرعوبين من هجمات حزب الله الخاطفة، والقصص المرعبة التي يتحدثون بها إلى الصحفيين.
(2)
المشروع الأمريكي في تجريد حزب الله من السلاح وتعطيل المشروع النووي الإيراني
كان لأمريكا دور واضح في إشعال نار الحرب في المنطقة من قبل إسرائيل، ولم تكن إسرائيل هي المسؤولة فقط عن إعلان هذه الحرب على حزب الله في لبنان.
وعبثاً يحاسب الشعب الصهيوني قيادته على إعلان هذه الحرب وتُحمّلها لوحدها الخسائر البشرية، والمعنوية، والمادية الفادحة التي لحقت إسرائيل في هذه المعركة. أقول عبثاً يحاسب الشعب الصهيوني قيادته لوحدها على قرار الحرب. فلم يكن قرار الحرب، قراراً إسرائيلياً خالصاً، وإنما كان قراراً أمريكياً- إسرائيلياً مشتركاً، تَبَلوَرَ وأُخرِجَ بهذه الصيغة للإعلام. كما أن أمريكا كانت هي المسؤولة، عن استمرار القتال ورفض رأي مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في أباّن القتال. فقد كانت أمريكا تتوقع انتصاراً لإسرائيل في هذه المعركة، ولم تكن تتوقع أن تتصل حلقات الهزائم الإسرائيلية، هزيمة بعد أخرى، وبالشكل الذي عرفه الناس جميعاً. فرفضت أمريكا وقف إطلاق النار، وتحملت هي وإنكلترا مسؤولية خراب البنية التحتية للبنان، بهذه الصورة الهمجية، بالسلاح الجوي الإسرائيلي، على أمل أن تحقق إسرائيل مشروعها السياسي – العسكري (المشترك) في الأيام القادمة من القتال والتخريب.
وأبرز نقطتين في هذا المشروع الاستكباري المزدوج الذي تحدثنا عنه في الفصل السابق هو:
1- تجريد حزب الله من السلاح.
2- تعطيل المشروع النووي الإيراني.
فطالما سعت أمريكا إلى تجريد حزب الله من سلاحه، سعت إلى ذلك من خلال مجلس الأمن، ومن خلال ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية قوية على لبنان وسورية وإيران، وأخيراً من خلال إعلان الحرب على حزب الله من جانب إسرائيل.
ولطالما صرحت أمريكا بقلقها الشديد وبموقفها السلبي القطعي من المشروع النووي الإيراني السلمي... ولطالما أعلنت أمريكا بشكل أو بآخر، أنها إن عجزت عن تعطيل المشروع النووي الإيراني من خلال مجلس الأمن وبالضغوط الدولية السياسية والاقتصادية، فسوف تلجأ إلى استعمال الآلة العسكرية الإسرائيلية- أو الأمريكية لضرب المشروع النووي الإيراني، مهما كان الثمن، رغم كل المعارضة التي تواجه الرئاسة الأمريكية لهذا الأمر من قبل الرأي العام العالمي، والرأي العام الأمريكي، والدول والأنظمة الصديقة لأمريكا، ورغم عدم عقلانية هذا التهديد لدى التنفيذ، وأضرارها البالغة على أمريكا وإسرائيل نفسها قبل أي طرف آخر.
فما هي الأسباب الحقيقية للحساسية الأمريكية الكبيرة – بهذا الحد المزعج- من سلاح حزب الله، والمشروع النووي الإيراني... إن المسالة مثيرة للاستغراب حقاً... وبحاجة إلى توقف ودراسة... إن هذه النقطة لابد أن تدخل في الاستراتيجية الأمريكية، ولابد أن تجد أمريكا فيها تهديداً كاملاً لمشروعها السياسي في الشرق الأوسط، حتى تستحق هذا الاهتمام الأمريكي الكبير الواسع، بهذه الدرجة من الحسّاسية العالية.
فلنتوقف عندهما قليلاً، فهما يستحقان وقفة طويلة، ليس من قبل حزب الله، وإيران فقط، وإنما من قبل المسلمين جميعاً، لتعلّق المسألة المباشر بالمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، قلب العالم الإسلامي.
إن سلاح حزب الله قوة بالتأكيد، وأمريكا تفهم جيداً حضور هذه القوة في المنطقة بجوار إسرائيل، وهذه هي الحقيقة الأولى.
وتفهم ثانياً أن هذه القوة غير خاضعة لإرادتها، وغير ملتزمة بالخطوط والعلامات الحمراء الدولية التي تقرّرها أمريكا في سياستها الخارجية للمنطقة.
وهذه الحقيقة الثانية، التي لا تخفى على أمريكا وإسرائيل، وأمريكا لا تتحمل في المنطقة قوة لا تخضع لإرادتها، وتحاول بكل سبيل (معقول أو غير معقول) إلغاء هذه القوة.
و«حزب الله» لا يدخل في نطاق النفوذ الأمريكي، كما يدخل الكثير من الأنظمة العربية، ولا يقع في قبضة الأمريكان.
والأمر الثاني النشاطات النووية الإيرانية التي تشارف الوصول إلى الغاية، وتمكّن إيران من استخدام الطاقة النووية في إنتاج الطاقة الكهربائية العالية... وهذه تقنية متقدّمة، وعلم، في بلد لا يخضع للإرادة الأمريكية، والأمريكان لا يريدون على وجه الأرض علماً وتقنية لا يخضعان لإرادتها...هذا هو جوهر المشكلة، ولو كانت إيران داخلة في دائرة النفوذ الأمريكي بشكل أو آخر، ملتزمة بتجنب الخطوط الأمريكية الحمراء، كما في الهند، وفي باكستان لم تكن تمانع أمريكا من هذا النشاط، حتى لو كان لأغراض غير عسكرية.
ولكن أمريكا تعلم جيداً أن إيران لا تقع في القبضة الأمريكية... فلا يجوز أن تكتسب هذه التقنية المتطورة.
أرادت أمريكا أن تحقق على يد إسرائيل، فرصة لضرب حزب الله وإيران معاً، وتجريد حزب الله من سلاحه، وتخريب وتعطيل التجهيزات الإيرانية النووية، ولكن مشيئة الله تعالى كانت على خلاف الإرادة الأمريكية، فانهزمت إسرائيل في هذه المعركة، وخسرت ما يقرب من خمسة مليارات دولار، وعدداً كبيراً من جيشها، وأهم من ذلك هيبتها العسكرية التي كانت تتغنّى بها منذ سنة 1967م، من حرب الأيام الستة، التي انتصرت فيها إسرائيل على الأنظمة العربية، وانتكست الأنظمة العربية فيها مقابل إسرائيل.
إن أمريكا لا تتحمل قوة ولا تقنية في المنطقة غير خاضعتين لإرادتها... بل في كل العالم، منذ أن رسمت لنفسها أن تنفرد بالقوة في العالم، وطرحت شعار « النظام العالمي الجديد» بعد سقوط الاتحاد السوفيتي...
ولا تسمح لقوة ولا تقنية بالظهور، إلا في حالتين اثنتين: الحالة الأولى أن تكون هذه القوة والتقنية تحت إرادتها وقيمومتها، والحالة الثانية أن تفرض هذه القوة والتقنية نفسها، في أي نقطة من الأرض، على حدّ الأمر الواقع، الذي لا تستطيع أمريكا أن تتجاوزه.
إن القوة والتقنية في «روسيا» و «الصين» غير خاضعتين بالتأكيد للإرادة الأمريكية، ولكنهما تعتبران أمراً واقعاً، رغم الإرادة الأمريكية، ولا تستطيع أمريكا أن توقفهما و تلغيهما.
وفي غير هاتين الحالتين لا تسمح أمريكا لأية قوة، ولأية تقنية بالظهور.
ونحن أمام خيارات ثلاثة تجاه هذه الحقيقة، لا رابع لها.
فإما أن نقبل بالسيادة الأمريكية والنفوذ الأمريكي في العالم الإسلامي فتسمح لنا أمريكا عندئذ بامتلاك هذه القوة والتقنية.
وإما أن نقبل البقاء في حالة الضعف وفقدان الكفاءات العلمية، والعجز والتخلف العلمي.
وإما أن نرفض هذا وذاك، ونسعى رغم الإرادة الاستكبارية إلى امتلاك القوة والتقنية المتطورة، ونقاوم ونثابر، حتى نجعل من هذه وتلك أمراً واقعاً، لا سبيل لأمريكا إلى إحباطهما ورفضهما، وهذا هو الخيار الثالث من بين الخيارات الثلاثة.
وإذا رفضنا الخيار الأول والثاني لم يبق أمامنا إلا هذا الخيار الثالث، وتحقيقه صعب، والطريق إليه عسير، ولكنه الخيار الذي يحفظ لنا كرامتنا واستقلالنا واستقلال أوطاننا وكرامة أبنائنا واستقلالهم.
(3)
من أين نطلب النصر؟
ولابد أن نتساءل في هذه الجولة الثقافية - السياسية: من أين نطلب النصر؟
وعلى الإجابة على هذا السؤال يتوقف كثير من قضايانا ومواقفنا السياسية.
لقد كان أمل الأنظمة العربية وثقتها عام 67 في الاتحاد السوفيتي، أن يمدهم بالجسر الجوي الذي ينقل إليهم السلاح والعتاد من موسكو إلى القاهرة، فخيّب الله أمل الأنظمة العربية في السوفييت، لعلهم إلى الله يعودون.
ولست أقول: إننا لا نطلب السلاح من السوفييت أو غيرهم في المعركة. فلابد في المعركة من السلاح، والسلاح إما أن نصنعه نحن، أو نطلبه من هنا وهناك.
وإلى هنا المسألة طبيعية وتجري طبقاً لسنن الله تعالى.
ولكن الذي كان يجري في الساحة العربية يومئذ داخل الأنظمة العربية الموالية للسوفييت، أنهم كانوا ينشدون النصر من السوفييت، وليس من الله.
وقد عشت أنا هذه الفترة الصعبة العسيرة، وكنت أقرأ وأسمع أدبيات معركة حزيران في الأيام الستة وبعدها.
وشتان بين وجهة «حزب الله» اليوم في قتاله لإسرائيل ووجهة الأنظمة العربية في قتال إسرائيل قبل أربعين سنة تقريباً ... أما الأنظمة الإسلامية غير العربية، فلم تدخل المعركة في حينها من قريب أو بعيد ... ولم تزد على شعارات جوفاء فارغة.
وقد أوكل الله الأنظمة في حينها إلى أنفسها وإلى السوفييت في قتالها لإسرائيل، فانتهت فيه إلى الاستسلام أمام إسرائيل، وتطبيع العلاقات.
وكان الله تعالى هو وحده وجهة «حزب الله» في هذه المعركة وثقتهم وأملهم، فتولّى الله أمرهم، وألقى الرعب في قلوب أعدائهم، وأنزل عليهم النصر.
والفرق بين الوجهتين واضح، ونَكِِلُ الذين يناقشون في البديهيات إلى تصوراتهم فعلاً، لئلاً نتوقف كثيراً عند هذه المقدمة، وندخل الموضوع مباشرة... ضمن مجموعة نقاط:
1- النصر من عند الله
هذه حقيقة قرآنية بارزة، لكل من يقرأ القرآن:
إن النصر من عند الله، والله تعالى هو مصدر النصر، وهو من أوليات ثقافة القرآن. ولو أن الناس اجتمعوا جميعاً ليهزموا جيشاً أو فرداً، لا يريد الله هزيمته، لم يقدروا على ذلك، ولو أن الناس اجتمعوا كلهم، لينصروا من يريد الله تعالى هزيمته لم يقدروا على ذلك.
والقرآن واضح وصريح في ذلك، وإليك طائفة من آيات كتاب الله، على سبيل الاستشهاد، وليس على سبيل الحصر.
وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، (آل عمران/ 126).
وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، (الأنفال/ 10).
إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ، (التوبة/ 40 ).
وإذا آمن الإنسان بهذه الحقيقة، فسوف لا يلجأ إلى أحد غير الله تعالى في ابتغاء النصر، ويضع كل ثقته ورجاءه ودعاءه في الله تعالى.
2- والله ينصر الفئة القليلة الضعيفة على الفئة الكثيرة:
وكان نصر الله واضحاً للعيان في بدر، فقد نصر الله الفئة الضعيفة القليلة في بدر على عتاة قريش وطغاتهم، ولولا أن الله منّ على المسلمين ببدر بالنصر على قريش، لم تقم للإسلام قائمة منذ بدر إلى اليوم ... لقد كانت بدر معركة فاصلة، وفرقاناً في التاريخ، وكان نصر الله للفئة القليلة واضحة في هذه المعركة لكل من ينظر فيتعقل ويدرك: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ، (آل عمران/ 123). ولم يقتصر نصر الله تعالى للمؤمنين في بدر، فقد نصرهم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ
حُنَيْنٍ، (التوبة/ 25).
وقد نصر الله من قبل نوحاً (ع) وأنقذه من الكرب العظيم: وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ،
(الأنبياء/ 77).
ونصر الله تعالى موسى (ع) على فرعون وجنده: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى
وَهَارُونَ ، وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ
الْغَالِبِينَ، (الصافات/ 114 – 116).
ويُردّد المؤمنون هذه الآيات من كتاب الله، فتطمئن قلوبهم بنصر الله، ويجأرون إلى الله تعالى في طلب النصر في ساحات القتال ويعطون ثقتهم ورجاءهم ودعاءهم لله دون غيره.
3- والله غالب على أمره
وهذه حقيقة أخرى في القرآن: إنّ الله غالب على أمره، فلا يُعْجِزُنَّ الله تعالى أحد من خلقه وعباده، فإذا أراد النصر لقوم نصرهم لا محالة، وإن اجتمع الناس لإبطال هذا النصر. وإن أراد الله تعالى بقوم هزيمة، هزمهم لا محالة، وإن اجتمع الناس على نصرهم: إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ،
(آل عمران/ 160). وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ،
(آل عمران/ 111).
وإذا كان الله وليّنا في هذه المعركة، وإليه أسندنا ظهرنا، ولجأنا، ورفعنا أيدينا، فلا يكلنا الله إلى أنفسنا، ولا يغلبنا أحد، إذا كان الله معنا.
4- وعد الله المؤمنين بالنصر
وقد وعد الله المؤمنين بالنصر في قتالهم للمشركين وأئمة الكفر، وعداً قطعياً حتمياً، والله لا يخلف وعده. والتشكيك في صدق وعد الله، على حد الكفر بالله تعالى. يقول تعالى: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، (غافر/ 51).
والنصر هنا للرسل وللذين آمنوا، وفي الحياة الدنيا، والوعد من الله تعالى الذي لا يخلف وعده، فيقرأ الإنسان هذه الآية من كتاب الله فيطمئن قلبه بوعد الله، ويستهين بما يلقاه من العذاب والعنت في سبيل تحقيق وعد الله:
وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ، (الروم/ 47).
وهذا هو الوعد الحق الذي وعد الله تعالى به عباده المؤمنين حقاً، وبعد هذا الوعد الإلهي الحق لا يدخل اليأس من النصر قلب عبد مؤمن يثق بالله تعالى ووعده.
ويَعِدُ الله تعالى نبيه (ص) بالنصر العزيز: وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً، (الفتح/ 3).
5- شروط النصر:
وليس معنى ما تقدم من الكلام إنّ الله تعالى يهب النصر لعباده من دون حساب ولا نظام، بلى، إن الله يهب النصر لمن يشاء، ويمنع النصر عمن يشاء، ولكن ضمن حساب ونظام وقانون ... وهذا الكون يقوم على أساس النظام والقانون. والله تعالى هو خالق هذا النظام والقانون.
ولكل شيء في هذا الكون شروط وأسباب. وهذه الشروط والأسباب لا تنافي أن النصر من عند الله يهبه لمن يشاء ويمنعه عمن يشاء. وهذا واضح لمن يفهم لغة القرآن في هذه المسائل. فإن الرزق من عند الله، من دون شك، والله هو الرزاق المتين، وليس لغيره من عباده وخلقه شأن في الرزق : وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ، (آل عمران/ 27). نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ، (الانعام/ 151). وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، (البقرة/ 212).
إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، (آل عمران/ 37). اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ، (الرعد/ 26). إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ، (الذاريات/ 58).
ولكن الله تعالى جعل للرزق أسباباً ومفاتيح، أمر عباده أن يطلبوا رزقه من خلال هذه الأسباب والأبواب: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ، (الملك/ 15).
وكذلك الأمر في النصر، فإن النصر من عند الله لا ريب في ذلك، ولكن الله تعالى جعل للنصر مفاتيح وأبواباً وأسباباً وأُمرنا أن نطلب النصر من خلالها.
وليس معنى الإيمان والثقة بنصر الله إهمال الأسباب والشروط والإعداد الميداني لعوامل النصر. وإن من الشطط في الفهم أن نفهم ما تقدم من الآيات أن الله يرزق النصر لمن يشاء من عباده، اعتباطاً ومن دون نظام وقانون.
ومن أسباب النصر إعداد القوة للمعركة، والتخطيط لها، والإعداد لها إعداداً كاملاً:
وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ، وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ، وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ، لاَ تَعْلَمُونَهُمُ، (الانفال/ 60).
إن إعداد القوة على وجه الأرض، وفي الميدان من ضرورات القتال، ولابد من هذا الإعداد والتحضير، ولكن لا يجوز الاعتماد عليه، فإن الاعتماد على الله. وقد نصر الله الفئة الضعيفة على الفئة القوية، فلا يصح الاعتماد على قوة السلاح والتحضير الميداني للمعركة، ولكن لابد منه، وهو من شروط نزول النصر من عند الله، ومن مفاتيح نصر الله والجمع بين هذا وذاك من رقائق ثقافة القرآن، نسأل الله أن ينعم علينا بها.
ومن شروط النصر أن ينتصر المؤمنون لله تعالى، وينصرون الله، فإذا وجد الله منهم الصدق والجدّ في نصر دينه نصرهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، (محمد/ 7). وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، (الحج/ 40).
ومن أهم أسباب النصر: الصبر والصلاة. وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ، (البقرة/45). يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ، (البقرة/153).
والصبر معنى واسع وشامل يشمل الصبر على الأذى والاضطهاد، والمقاومة لوسائل الظالمين في اضطهاد المؤمنين وعذابهم وملاحقتهم: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا، (الانعام/ 34 ).
وكان من دعاء المؤمنين في ساحات القتال والمواجهة طلب النصر من عند الله، وتثبيت أقدامهم على أرض المعركة، رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً، وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا، وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، (البقرة/ 250).
ولابد في المعركة والمواجهة من الصبر، ومن يصبر ينصره الله تعالى.
ومن معاني الصبر: الصبر على الإعداد والتحضير الميداني، والنفسي، والسياسي، والتخطيط الإعلامي، والمالي، والعلمي، والتسليحي للمعركة. فإن المعركة بحاجة إليها جميعاً، والإعداد للمعركة يحتاج إلى جهد كبير وصبر كثير، فإذا وجد الله تعالى من عباده الصدق في الصبر فتح الله عليهم أبواب النصر ورزقهم السلاح والمال والقوة والإعلام والدعم والخطة والنظام، كما تحتاجه المعركة.
والعنصر الآخر من متطلبات المعركة «الصلاة»، إن الذكر والإقبال على الله، واللجوء إليه تعالى، والاستغاثة به، وطلب النصر منه، من أعظم متطلبات المعركة، وأبواب النصر.
ولقد رفع رسول الله (ص) يديه إلى الله في بدر، وأقبل على الله في دعاء وإلحاح في الدعاء، فقال: «اللهم إن شئت ألاّ تُعْبَد لا تُعْبد». فقد كانت هذه الفئة القليلة في بدر التي واجهت عتاة قريش هي وحدها التي تعبُد الله تعالى من دون سائر الناس، فإذا هُزِمت في هذه المعركة، ومحقت، وهلكت، فسوف لن يكون هناك من يعبدُ الله على وجه الأرض، واستغرق رسول الله (ص) في الدعاء حتى وقع رداؤه عن متنه.
وإن للإقبال على الله في المعركة وطلب النصر من عند الله، واللجوء الصادق إلى الصادق دوراً كبيراً في تحقق النصر، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ، (الانفال/45).
وقد كان أنبياء الله  والمؤمنون يطلبون النصر من عند الله ويستنصرون الله، رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ، وَاعْفُ عَنَّا، وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، أَنتَ مَوْلاَنَا، فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، (البقرة/ 286).
ومن دعاء طالوت ومن معه من المؤمنين لما برزوا لجالوت: وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، (البقرة/ 250 ).
6- التمحيص في طريق النصر:
ولا تكتمل هذه الجولة القرآنية في النصر وأسبابه وشروطه وعوائقه ومصدره، ما لم نتحدث عن «التمحيص» ...
فقد يمرّ النصر بطريق عسير، يثخن المؤمنين بالجروح، ويُحمّلهُم العناء والعذاب، وتتساقط فيه الرؤوس والأيدي والأقدام، ولكن العاقبة تكون للمؤمنين، كما وعدهم الله، ولن يخلف الله وعده.
فقد دخل المؤمنون معركة «أحد» بعد «بدر»، ومسّهم في «أحد» قرح شديد، ولكنهم لم يشعروا يومئذ بالضعف والعجز والتراجع أمام قريش، ولم ينل ذلك من عزمهم وإرادتهم، ومقاومتهم، وصلابتهم، وعزتهم، واستعلائهم على الكافرين، ولم يصبهم بالوهن والضعف.
ولنقرأ هذه الآيات العجيبة التي نزلت على المسلمين يومئذ، بعد معركة «أحد»، والتحليل العجيب الذي تقدمه هذه الآيات لنكسة (أحد) المرّة:
وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ، إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ، وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، أَمْحَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، (آل عمران/ 139 – 142).
إنها آيات عجيبة نزلت بعد معركة «أحد»، تقدّم تفسيراً جديداً للصراع، والانتكاسة، والانتصار في الصراع، في صفوف المؤمنين، لم يعهده الناس
من قبل.
وتبدأ الآيات بدعوة المؤمنين إلى الاستعلاء على أعدائهم، ونبذ الوهن والضعف، وتُحَسّسُهُم بالقوة والعزة، إن كانوا مؤمنين.
وإن الانتكاسة في ساحة القتال لا تنال من قوة المؤمنين، ولا تنال من عزتهم وإرادتهم وصلابتهم وإيمانهم وثقتهم بالله: وَلاَ تَهِنُوا، وَلاَ تَحْزَنُوا، وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ، إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.
لا تضعفوا، ولا تحزنوا على ما فاتكم من النصر وما لحقكم من الانتكاسة في «أحد»، فإن هذه الانتكاسة لا تغير نتيجة المعركة، إن هذه الانتكاسة حلقة من حلقات المسير إلى النصر، وتمحيص للمؤمنين قبل النصر، وأمّا العاقبة والنصر والفتح فهو لكم، أنتم المؤمنون لا غير، وليس ينبغي أن تفُتّ هذه الحلقة من حلقات المسير في عضدكم، وتسلب منكم عزمكم وإرادتكم وصلابتكم، وتسلب منكم الإحساس بالعزة والاستعلاء.
ثم تخففّ عنهم وقع النكسة التي أصابتهم، والقروح التي مستهم في المعركة ... فهذه القروح قد أصابت اعداءهم من قبل، في «بدر» وفي «أحد» أيضاً، وهي من متطلّبات المعركة، التي لابد منها في كل معركة، ولا تخلوا عنها حرب، ولا تخصّ هذه القروح المؤمنين دون الكافرين.
هذه طبيعة كل معركة، والإنسان إما أن يتجنب الصراع والقتال، ويتحمل الذل والهوان، أو يدخل في دائرة الصراع وقتال أئمة الشرك والظالمين، وإذا اختار الثاني فلابدّ أن يتحمل هذه القروح كما يتحملها أعداؤهم.
ثم تبين الآية حقيقة هامة في فهم التاريخ، وهي أن التاريخ يتحرك باتجاه سلطان الحق وزهوق الباطل: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ، (هود/ 49).
أنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ، (الأنبياء/ 105). وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، (القصص/ 5 ).
ولكن الطريق إلى هذه الغاية صعبة وعسيرة ويمر بأيام من المحنة والعذاب والعناء، لابد من اجتيازها وتجاوزها: وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ،
(آل عمران/ 140).
وهذه المداولة في الأيام بين الحق والباطل، وبين الانتكاسة والانتصار، لابد منها لتحقيق هذه العاقبة التي يذكرها القرآن للمتقين، ولو كانت أيام المسلمين الأوائل كلها نشوات «بدر»، ولم يمرّوا بنكسات «أُحُد» لم يأتهم النصر والفتح العظيم الذي يخبرنا عنه الله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح.
إن هذا التداول للأيام بين الانتكاسة والانتصار، والصعود والنزول، ونشوات الانتصار ومرارات الانتكاسة، لابد منه في تحقيق إرادة الله تعالى في وراثة الصالحين وإمامتهم على وجه الأرض.
إن هذا التداول في الأيام لابد منه ليتم فرز الصالحين عن غيرهم وفرز الأقوياء عن ضعفاء الإيمان، والمؤمنين عن غيرهم، فلا يتم هذا الفرز في أيام العافية والرخاء، وإنما يتم في أيام العسر والشدة: وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ.
والله تعالى يعلم بالناس وقوتهم وضعفهم، وأبرارهم وشرارهم، والمؤمنين منهم والمنافقين، ولكن الله يريد بهذه الأيام أن يفرزهم ويستخلص الصالحين منهم من الفاسدين، والمؤمنين من المنافقين، ولا يتم ذلك إلا بمثل هذا التداول والصعود النزول في الأيام ...
وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء، وفي مثل هذا التداول للأيام بين «بدر» و«أُحُد» يتم اتخاذ الشهداء الذين يختارهم الله تعالى، أئمة وقادة للبشرية وشهداء عليهم، في هذه الأيام يتكوّن الذين اتخذهم الله شهداء على الناس، فلا يتكوّن الشهداء في أيام العافية والرخاء.
إن أيام العافية والرخاء لا تنتج الشهداء القيمين على مسيرة البشرية ... وهذا هو التمحيص الأفقي على سطح المجتمع، وفي هذا التمحيص يتم فرز الصالحين عن غيرهم، والمؤمنين عن المنافقين، وضعاف الإيمان عن أقويائهم.
وفي مقابل التمحيص الأفقي تمحيص آخر، عمودي، داخل نفوس المؤمنين، ففي نفوس المؤمنين خير وشر، وعقل وهوى، وضعف وقوة، ويقين وشك، وزهد وحب للدنيا، ولا يتخذهم الله شهداء، حتى يمحّص ما في نفوسهم، فيأخذ من نفوسهم الشك والضعف، والهوى والشر وحب الدنيا، لتخلص نفوسهم من الضعف والهوى، وعندئذ يتخذهم الله شهداء وأئمة على وجه الأرض، وهذا هو التمحيص العمودي داخل النفوس.
ثم ويَمَحَقَ الكافرين.
ومن عجب أنّ المحنة هي المحنة، والضرّاء هي الضرّاء، ولكنها «تمحيص» للمؤمنين، و«محق» للكافرين.
إن النار هي النار، ولكنها تصفّي الذهب وتنقّيه، وتحرق الخشب،
ولا اختلاف في النار، وإنما الاختلاف في ما تتعرض للنار، فتحرق الخشبة وتصفّي الذهب .
هذا كله في الدنيا، وهو الشطر الأول من حياة الإنسان، والشطر الزائل المحدود منها. وإما في الآخرة، وهي الشطر الثاني من حياة الإنسان، والشطر الباقي والكبير ... فان الإنسان لا ينال الجنة في أيام اليسر والعافية، وإنما ينالها في أيام الضراء والبأساء، وفيما تتطلبه هذه الأيام من جهاد وصبر على الأذى ومسّ القروح والجروح:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ، وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ،( آل عمران/ 142).
إنه تصور ساذج وبسيط للجنة، وللأعمال الصالحة التي تدخل الإنسان الجنة، فلا يكاد ينالها الإنسان إلا بالصبر على الأذى ومسّ القروح ومقاومة الأعداء والإخلاص لله، والإقبال عليه تعالى ... ولا يتم ذلك كله إلاّ في أيام البأساء والضرّاء.
(4)
المقاومة الإسلامية
انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان على إسرائيل مسألة تستوقف الإنسان كثيراً وتحتاج إلى توقف وتأمل.
إن حزب الله قوة محدودة من حيث السلاح، والقوة، والعتاد، والإعلام، والمال، وإسرائيل قوة كبيرة في المنطقة وفي العالم، سياسياً وعسكرياً وتسليحياً وإعلامياً ومالياً ودولياً.
وهذه «اللامعادلة» بين القوتين تؤدي إلى الحكم بحتميّة انتصار إسرائيل على حزب الله في هذه المعركة، بلا توقف ولا تأمل، لو كان النصر العسكري يخضع للاعتبارات العسكرية فقط.
وانطلاقاً من هذه النقطة كانت أمريكا تؤجل يوماً بعد يوم قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن، لتحقق إسرائيل بعض النصر العسكري الذي تتوقعه أمريكا لها في كل يوم، بل في كل ساعة.
فكيف انتصر حزب الله في هذه المعركة الضارية على إسرائيل، ولم تستطع إسرائيل أن تحرز أي انتصار عسكري حقيقي خلال 33 يوماً في معركة شرسة دخلتها إسرائيل رغم كل «اللامعادلة» العسكرية التي شرحتها آنفاً.
إننا يهمنا أن نتوقف عند هذه النقطة، ونحلّلها فهي نقطة جديرة بالتأمل في مواجهتنا وحروبنا المستقبلية لإسرائيل وأمريكا.
إن «المقاومة الإسلامية» تركيب من عناصر ثلاثة، هي: 1- الإيمان.
2- الوعي.3 - القوة.
وهذه العناصر الثلاثة تفسّر هذا الانتصار الكبير الذي أحرزه حزب الله على إسرائيل. ولنتأمل هذه العناصر الثلاثة واحدة بعد أخرى.
1- الإيمان:
إن الإيمان بالله تعالى هو العنصر الأول في هذا النصر.
والإيمان بالله معنى شامل واسع يتضمن الثقة بالله، والتوكل على الله، والإخلاص لله، وابتغاء وجه الله في السلم والحرب، والرضا بأمر الله، والحب لله والسخط والغضب في الله، والصدق مع الله، وتقوى الله في السراء والضراء ... ولا شك أن الإيمان بهذا المعنى الشامل من أهم عناصر النصر ... وقد نزل على المسلمين في معركة (أحد) بعد الانتكاسة التي أصابتهم في تلك المعركة هذه الآية الجليلة التي تَبْقى نبراساً لكل الأجيال: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ... إنها لم تنزل في نشوة انتصارات «بدر»، وإنما نزلت في مرارة انتكاسة «أحد». تدعوهم إلى أن لا يضعفوا «ولا تهنوا»، ولا يحزنوا لما أصابهم من الانتكاسة، فإنّهم «الأعلون» و«المنتصرون» و«الغالبون» إن شاء الله، ما كانوا مؤمنين.
في حرب حزيران عام 67 اصطفت الأنظمة العربية صفّاً واحداً لمحاربة إسرائيل، ولكن عيونهم كانت مشدودة إلى الجسر الجوي الذي يصل بين «موسكو» و«القاهرة» ليرفدهم بما كان يعدهم السوفييت من السلاح والعتاد، ولكن الله تعالى خيّب ظنونهم في السوفييت وانتصرت إسرائيل، واحتلت خلال ستة أيام «الجولان»، و«سيناء» و«القدس»، و«الجليل»، و«حيفا»، و«يافا»، و«الضفة»، و«غزة» ...
ولو كانت عيون حكام العرب يومئذ، بعين الله، لا بالسوفييت، لنصرهم الله تعالى، ولكنهم نسوا الله تعالى فنساهم الله، وأنساهم أنفسهم.
2- الوعي:
والعنصر الثاني من العناصر المكونة للمقاومة الإسلامية الوعي الجهادي والحركي والسياسي. وهذا الوعي من ثمرات الإيمان بالله، لا تنفك عنه.
وهذا الوعي تقتبسه من كتاب الله مباشرة: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ، (البقرة/193).
إن الاستكبار الكافر المتمثل اليوم في إسرائيل مبعث فتنة واسعة، وحريق واسع من الفتن في العالم الإسلامي ... وما دامت إسرائيل قائمة تدوم هذه الفتنة، فلابد من أن يعمل المسلمون لاجتثاث هذه الفتنة من الجذور، لئلا تكون هناك فتنة، وليكون الدين والحاكمية لله تعالى.
يقول تعالى: وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ، (النساء/ 75).
إن هذه المقاومة والقتال هو سبيل خلاص المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا الله.
إن إسرائيل اليوم محرقة وفتنة في المنطقة، وعقبة في طريق استقرار المنطقة وسلامتها، وفي طريق توحيد الله وعبوديته، وأداة أمريكا لاستضعاف المسلمين، وهي تختزل أكثر مصائب المسلمين في الوقت الحاضر. ولا سبيل للمسلمين للتخلّص من ذلك كله إلا بإزالة إسرائيل من الخارطة السياسية بالكامل( ).
وما لم يتوصل المسلمون إلى هذه الحقيقة السياسية الكبيرة فإن المنطقة الإسلامية كلها تعاني من حالة عدم استقرار دائم، وسوف تمارس إسرائيل دوراً منظماً مدروساً في تثبيت أقدام الاستكبار الأمريكي في المنطقة.
يقول أمير المؤمنين (ع) لجنده يوم صفين حينما استولى جند الشام على الفرات ومنعوا عسكر الإمام من الماء، يقول لهم الإمام:
«قد استطعموكم القتال، فأقروا على مذلة، أو روّوا السيوف من الدماء تُرْووا الماء».
يقول لهم: ليس أمامكم إلا خياران اثنان:
إما أن تُقرّوا بالمذلة أو ترووا السيوف من الدماء فتُسقون الماء عندئذ.
ثم يقول لهم: «فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين».
الذي يستقبل الموت يقهر عدوه، لا محالة، والذي يهرب من الموت، وتطيب له الحياة يعيش حياة ذليلة البتة.
إن حياة العز والقوة في استقبال الموت، وحياة الذل والهوان في الهروب من الموت. فاختاروا لأنفسكم ما شئتم، أيّها الناس.
ويقول (ع) لهم: «إن أكرم الموت القتل». إن الموت حقيقة حتمية لا مفر منه، ومهما يتقدم الإنسان في حياته ساعة يقرب من الموت مثلها.
يقول(ع): «إن الموت طالب حثيث، لا يفوته المقيم ولا يُعْجزه الهارب».
فإذا كان الأمر كذلك، وكان لابد من لقاء الموت على كل حال، ولا سبيل للإنسان إلى التخلّص من الموت، فلماذا يدفع الإنسان عن نفسه أكرم الموت، وهو القتل في سبيل الله، ويموت كما تموت الدواب.
ويقول (ع): «رُدّوا الحجر من حيث جاء، فإن الشر لا يدفعه الا الشر».
وهذه الكلمة هي جوهر الوعي السياسي والجهادي في مواجهتنا الدائمة لإسرائيل.
فإن إسرائيل لا تزال تكيد بالمسلمين، وتمكر بهم، وتتآمر عليهم، وتتفق مع كل قوى الشر والاستكبار في العالم في استضعاف المسلمين وفي النيل منهم.
فإذا تحفّظ المسلمون أن يردوا هذا الشر بشرّ يكافؤه، فلا يزال هذا الشر يصلهم من ناحية إسرائيل والاستكبار العالمي.
ولا سبيل لهم إلى دفع هذا الشرّ الا بشرّ مثله وهذا الوعي هو الوعي السياسي والجهادي والحركي الذي خطته المقاومة الإسلامية لنفسها.
إن من الخطأ أن نلتمس من إسرائيل إطلاق سراح عشرة آلاف من سجنائنا رجالاً ونساء، وأطفالاً ومرضى وأصحاء. فإن إسرائيل لا تفهم لغة الحوار والرحمة والتفاهم، واللغة الوحيدة التي تفهمها وتسمعها وتصغي لها، هي اللغة التي خاطبهم بها حزب الله في لبنان وحماس وشباب الانتفاضة في فلسطين، وهي لغة القوة والمقاومة.
وهذا هو الوعي السياسي والحركي الذي لابد منه في هذا المقطع الحساس من تاريخنا المعاصر. وهذا الوعي الحركي، من مكونات (المقاومة).
ولو أنّ المقاومة كانت تنطلق من منطلقات حبّ العافية، وإيثار السلامة، وحب الدنيا، والثقة بوعود الاستكبار العالمي، والمساومة، والمداهنة، لاختلف الأمر، ولم تكن المقاومة مقاومة، ولكان الاستكبار العالمي يعمل على تدجين المقاومة، كما دجّن قبل ذلك الأنظمة.
إنّ العطاء والحركة و«الموقف» من نتائج «الوعي» والوعي من نتائج «الإيمان». وهاتان معادلتان، لا سبيل للتشكيك فيهما.
3- القوة والتنظيم:
والعنصر الثالث القوة والتنظيم، ولا ارتياب في أنهما من عوامل النصر، والنصر يحصل على أرض المعركة، والقوة والتنظيم والتخطيط من عوامل النجاح والتقدم على أرض المعركة.
وقد أمرنا الله تعالى بإعداد القوة والسلاح للمعركة: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ.
وفائدة هذه القوة «الإرهاب»، ولكن إرهاب أعداء الله وأعداء الناس:
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ. لا إرهاب الأبرياء والمستضعفين من
خلق الله.
ولابد من هذا العنصر في تكوين «المقاومة» على كل حال وهذا
لا اختلاف فيه ... وإنما نختلف في تقويم «المقاومة» وتحليل عوامل انتصار المقاومة في المكونات الأخرى للنصر، وهي «الإيمان» و«الوعي». وهذا موضع الافتراق في التقويم والتحليل بيننا وبين المدرسة المادية الاستكبارية الغربية.
إنهم يعتقدون أن القوة على وجه الأرض هي كل شيء في تقرير نتيجة المعركة .. فقد كانوا لا يشكون لحظة واحدة، إن إسرائيل هي المنتصرة في هذه المعركة، فيعجبون كيف تخرج إسرائيل من هذه المعركة «اللامتكافئة» مهزومة مثخنة بالجراح لم تحقق شيئاً حقيقياً من النصر .
ونحن نعتقد أن القوة لابد منها على وجه الأرض، وفي ميدان القتال، والتنظيم والتخطيط لابد منه في ساحة المعركة، ولكن القوة لا تختزل كل النصر، والمعادلة الحقيقية قائمة بين النصر وكل عوامل النصر.
عوامل النصر ثلاثة وليست واحدة، ولابد منها جميعاً، وهذه الثلاثة بعضها يجبر بعضاً، وبهذه السُنة نصر الله تعالى المؤمنين في بدر على عتاة قريش، يقول تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ، (آل عمران/ 123).
وبهذه السُنة يقول تعالى: كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ، (البقرة/ 249).
وبهذه السُنة يقول تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، (المجادلة/ 21) .هذه هي تركيبة المقاومة.
وهذه التركيبة تجعل من المقاومة حالة صعبة، لا يمكن التغلب عليها، إلا بزوال أحد أمرين:
إما بزوال العدوان، أو بزوال الوعي الحركي والسياسي لدى الناس.
وما دام العدوان باقياً في حياة الناس وعلى مشارف بلدهم، أو في داخل بلدهم، فإن المقاومة قائمة في حياة الناس، لا محالة، ما لم يغب الوعي السياسي والجهادي عن حياة الناس.
فإذا كان العدوان قائماً، وكان الوعي قائماً في حياة الناس، فلا محالة تبقى المقاومة.
إن المقاومة تختلف عن الجيوش النظامية. الجيوش النظامية تنتكس، وتنهزم، وتنكسر في جبهات القتال، ولا هزيمة ولا انتكاسة في المقاومة، إذا سقط عشرة حلّ محلّهم عشرون، وإذا سقط عشرون حلّ محلّهم أربعون، وهكذا تتنامى وتتوسّع المقاومة.
ولا تفقد المقاومة السلاح، حيثما تكون، فإن المقاومة تجد السلاح الذي تحارب به العدوان، وإذا صدقت المقاومة في ساحة القتال، أمطرت السماء عليهم سلاحاً، ولن تمطر السماء سلاحاً، ولكن الله تعالى لن يمنع السلاح عن قوم يريدون أن يقاتلوا أعداءهم، ويزيلوا العدوان عن أرضهم وكرامتهم، إذا صحّت نيتهم في ذلك.
الإمام الصادق (ع) يقول: «لن يعجز جسد عما قويت عليه النيّة»، وبنفس الملاك نقول: لن تفقد أمة تريد أن تقاتل عدوها، وتزيل العدوان عن أرضها وكرامتها، السلاح الذي تقاتل به.
إن أمريكا واهمة، حيث تتصور أن بالإمكان تجريد «حزب الله» من سلاحه، وبالتالي إسقاط حزب الله وتحويله إلى حركة سياسية إعلامية على صفحات الجرائد.
فلن تنتهي المقاومة الإسلامية في لبنان وفي فلسطين ما دامت إسرائيل قائمة بالعدوان والبطش والإرهاب، وما دام القرآن يمد المسلمين بالوعي والبصيرة:أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، (الحج/ 39).
لقد كانت أيدينا على قلوبنا في الأسابيع الخمسة من المواجهة بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان، وكنا نخشى أن تنفذ صواريخ حزب الله فيبين الضعف العسكري في جهة حزب الله ... فإن حزب الله مقاومة محدودة، وليس دولة كبيرة، ومخزونها من السلاح والعتاد والمال محدود لا محالة، ولكن حزب الله كان يمطر فلسطين المحتلة بالصواريخ في كل يوم، 200 صاروخاً
و150 صاروخاً من غير أن يحسب حساباً لمخزونه من الصواريخ، واستمر هذا الوابل من الصواريخ على سماء فلسطين المحتلة إلى آخر يوم من أيام المعركة، توقف القتال بعده بقرار من مجلس الأمن، ولم ينفذ بعد مخزونه من الصواريخ، ولو كان القتال يمتد بين حزب الله وإسرائيل شهوراً أُخر، لعرفنا كيف يمدّ الله حزب الله بالسلاح والعتاد، والمؤن، والمال، وإن إسرائيل لا تستطيع بمحاصرة لبنان جوّاً وبرّاً وبحراً، وبتخريب الجسور والجادات والاتصالات أن تمنع رحمة الله والمدد الإلهي من حزب الله. يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ، (المنافقون/ 7 ).
إن تجريد حزب الله في لبنان، وتجريد حماس في فلسطين من السلاح، من الوهم الذي تورّط فيه الأمريكان لأنهم يقيسون المقاومة بمقاييس الجيوش النظامية في بلادهم.
وقد أثبتت الأسابيع الخمسة من قتال المقاومة لإسرائيل خطأ أمريكا في مقاييسها ومعاييرها.
ولست أذكر الآن من هو بالتحديد القائد العسكري الإسرائيلي الذي قال عن حزب الله أن أكبر جيوش العالم يعجز عن هزيمة حزب الله ... إلا أنني أعلم أن هذا القائد العسكري الإسرائيلي عرف في ساحة القتال الضاري لحزب الله، ما لم يعرفه «بوش» في تنظيراته وخطاباته، والدراسات التي يقدمها له مستشاروه.
(5)
بين المقاومة والتفاوض
يتأرجح الموقف العربي من إسرائيل بين المقاومة والتفاوض وكان الموقف أول الأمر هو المقاومة، ورفض أي خيار آخر غير خيار المقاومة، غير أن موقف أكثر الأنظمة العربية بشكل عام أخذ ينزلق من اللاءات العربية المعروفة باتجاه التطبيع في العلاقة مع إسرائيل، وأخذت المفاوضة تحتل محل المقاومة، حتى انتهت المقاومة بالكامل، في مساحة واسعة من العالم الإسلامي عموماً والعالم العربي خصوصاً.
ونحن نقول لهذه الأنظمة المقتنعة بجدوى التفاوض مع إسرائيل: إن إسرائيل لا تمتلك الحدَّ الأدنى من القيم التي لابد منها لأي تفاوض بين طرفين مختلفين ... ولا معنى للتفاوض مع الطرف الذي يطالب بكل شيء ولا يعطي شيئاً للطرف الذي يفاوضه، وإذا التزم بشيء لا يفي به، ولا يعترف بأية قيمة أخلاقية في التعامل السياسي مع الأطراف الأخرى.
إن المواجهات الأخيرة في فلسطين ولبنان كشفت بوضوح هذه الحقيقة، وعرف الناس جميعاً الطريقة اللاإنسانية لإسرائيل في التعامل مع كل من «حماس» و«حزب الله» في قضية الأسير الإسرائيلي الذي أسرته حركة حماس أو الأسيرين اللذين أسرهما حزب الله، لتطلق إسرائيل في المقايضة العسكرية بينهما عن الأطفال والنساء الفلسطينيين الرهائن في سجون إسرائيل وتطلق سراح الرهائن اللبنانيين في إسرائيل.
وإنما نقول «رهائن» لأن إسرائيل اختطفتهم من أرضهم وديارهم وبيوتهم فهم رهائن في سجون إسرائيل، ولا يُعدّون أسرى في الحسابات العسكرية .
إلاّ إن الـعشرة آلاف من الرهائن الفلسطينيين واللبنانيين المسجونين في سجون إسرائيل في حساب إسرائيل إرهابيون، لا يستحقون الرحمة والحرية بما فيهم الأطفال والنساء، والأسرى الإسرائيليون الثلاثة هم رهائن مختطفون يجب إطلاق سراحهم فوراً. وفي غير هذه الحالة فان إسرائيل تدخل غزة وتخطف وزراء حماس ورجال البرلمان من داخل بيوتهم، وتقصف غزة قصفاً مكثفاً، وتقتل وتخرّب، وتخطف، وتمنع عنهم الغذاء، والدواء، وحليب الأطفال، حتى إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي، وتدخل لبنان، وتمارس فيه أبشع ألوان التخريب، من الجو، والبحر، والأرض لإطلاق سراح الأسيرين ... هذه هي إسرائيل لمن يريد أن يتعامل معها !!
إن هذا التعامل الطائش ينمّ عن غطرسة وتعنّت لا حد له، ولا نظير له في التعامل السياسي والعسكري في العالم، وينمّ عن اللاأخلاقية وفقدان لكل القيم الأخلاقية في الحرب والسلم.
غطرسة لا حد لها، ولا أخلاقية، وفقدان للقيم الأخلاقية لا حد لها، واحتقار للآخرين لا حد له ... نحن نتساءل: كيف يمكن التفاوض والتفاهم مع طرف يتعامل في الحرب والسلم بهذه الشراسة واللاأخلاقية والتعنت؟ كيف يرجو حكام العرب أن يأخذوا من إسرائيل بعض حقوقهم عن طريق التفاوض.
إن الأنظمة والكيانات العربية الحاكمة تعطي لإسرائيل في هذه المفاوضات «شرعية الاحتلال والعدوان»، دون أن تأخذ من إسرائيل شيئاً قط. والمنهج الوحيد الواقعي للتعامل مع إسرائيل هو منهج «المقاومة».
لقد عرفت المقاومة اللبنانية والفلسطينية الإسلاميتين بأية لغة تخاطب إسرائيل، وهذه اللغة هي اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل، وهذا المنطق هو المنطق الوحيد الذي تستوعبه إسرائيل، وتتقبله وتخضع له.
وعبثاً يحاول بعض حكام العرب أن يكسبوا ثقة إسرائيل واحترامها، ليتعاطوا معها بعض الحقوق والمكاسب في ظل الاعتراف بشرعية إسرائيل، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وتبادل السفراء والقائمين معها.
إن هذا البعض في وهم كبير، ويرتكب خطأ تاريخياً كبيراً في هذا المنهج الذي يسيرون عليه في التطبيع والتفاوض، والمنهج الصحيح للتعامل مع إسرائيل هو المقاومة الذي تسلكه المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان، والانتفاضة التي يتبناها الشارع الفلسطيني إزاء العدوان الإسرائيلي.
ورحم الله الإمام الخميني، لقد أدرك من تعنت إسرائيل وغطرستها وحالتها العدوانية التوسعية ما لم يدركه الكثير من حكام العرب، فأعلن للمسلمين في خطاباته السياسية إن كل حركة للتفاوض والتفاهم مع إسرائيل لا تجدي نفعاً للمسلمين، وأن إسرائيل تزداد شراهة وعدواناً يوماً بعد يوم.
والموقف الوحيد هو العمل على إزالة إسرائيل من الخارطة السياسية للشرق الأوسط.
فليستوعب الأمريكان ربيبتهم إسرائيل في ولاية من ولاياتهم، إذا شاءوا... فما دامت إسرائيل قائمة في الشرق الأوسط، فهي «غُدّة سرطانية» في المنطقة، كما كان يقول رحمه الله، وتبقى المنطقة متأججة، ولا تذوق طعم السلم أبداً ... ولو أن المسلمين كانوا يوحّدون موقفهم وقرارهم لم تكن إسرائيل قادرة أن تبقى في المنطقة وتمارس عدوانها بهذه الصورة من الهمجية، ولم يكن بوسع أمريكا ولا أوروبا أن تدافعا عن الكيان الصهيوني الذي زرعاه في هذه المنطقة، ولم تذق المنطقة طعم السلام منذ قامت إسرائيل إلى اليوم.
يتبع

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• أربعة دروس من سورة الانشراح   (بازدید: 1885)   (موضوع: قرآن)
• التعددية الدينية   (بازدید: 1293)   (موضوع: فكر إسلامي)
• التغيير   (بازدید: 710)   (موضوع: فكر إسلامي)
• الربانية   (بازدید: 1430)   (موضوع: فكر إسلامي)
• الرحلة بين المعرفة و التفويض   (بازدید: 1164)   (موضوع: قرآن)
• الفـرقـان   (بازدید: 774)   (موضوع: قرآن)
• القبول و الجزاء في القرآن   (بازدید: 1693)   (موضوع: قرآن)
• الكتاب الناطق   (بازدید: 1294)   (موضوع: قرآن)
• الكلمات الابراهيمية - ١   (بازدید: 1868)   (موضوع: قرآن)
• الكلمات الابراهيمية القسم الثاني   (بازدید: 876)   (موضوع: قرآن)
• المنهج العلمي في ترتيب الأدلة الاجتهادية   (بازدید: 1696)   (موضوع: فقه)
• تأملات في آية التقوى من سورة الاعراف   (بازدید: 2401)   (موضوع: قرآن)
• تأملات في دعاء شهر رجب   (بازدید: 3400)   (موضوع: فكر إسلامي)
• تحضير القلب للصلاة   (بازدید: 1282)   (موضوع: فكر إسلامي)
• تحليل ثقافي من العراق لأحداث لبنان   (بازدید: 690)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• حساب المستضعفين   (بازدید: 1344)   (موضوع: قرآن)
• مدخل الصدق ومخرج الصدق   (بازدید: 1563)   (موضوع: قرآن)
• نحو فهم حضاري لتاريخنا الإسلامي معركة الطف نموذجًا   (بازدید: 1038)   (موضوع: دراسات حضارية)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• تحليل ثقافي من العراق لأحداث لبنان   (بازدید: 690)   (نویسنده: محمد مهدي الآصفي)
• انتصار لبنان.. حضارياً   (بازدید: 1033)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• انتصار لبنان.. حضارياً   (بازدید: 979)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• ظاهرة الإسلاموفوبيا قراءة تحليلية   (بازدید: 913)   (نویسنده: خالد سليمان)
• مصير العالم الإسلامي   (بازدید: 1350)   (نویسنده: الدكتور مصطفى شريف)
• الإسلام و التعاون الإقليمي والدولي   (بازدید: 1010)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• العلاقات بين تونس و ايران عبر التاريخ   (بازدید: 1326)   (نویسنده: عثمان العكاك)
• بعد مرور ٧ قرون على مولده أسفار ابن بطوطة مازالت حديث العالم   (بازدید: 2397)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• تونسيان يدافعان عن شخصيتين ايرانيتين   (بازدید: 1191)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الأمة الإسلاميّة والقرن الجديد   (بازدید: 655)   (نویسنده: الدكتور محمد محمود صيام)
• الامة الاسلامية والقرن الجديد   (بازدید: 583)   (نویسنده: الدكتور محمد محمود صيام)
• النظام العالمي الجديد و العالم الإسلامي   (بازدید: 5381)   (نویسنده: الدكتور سعيد عبد اللّه المهيري)
• النظام العالمي الجديد والعالم الاسلامي   (بازدید: 1187)   (نویسنده: الدكتور سعيد عبد اللّه المهيري)
• السير في الارض عند المسلمين - ابن بطوطة في إيران نموذجا   (بازدید: 1180)   (نویسنده: الشيخ واعظ زاده الخراساني)
• نحن و دولة الإسلام في إيران   (بازدید: 849)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• نحن و النظام الدولي الجديد   (بازدید: 884)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]