مرّ على إيران مايقرب من قرنين (١٣٥ سنة تحت الحكم القاجاري و٤٥ سنة تحت الحكم البلهوي) وهي تتعرّض لامواج ثقافية أجنبية جعلت الفئات المثقفة تستشعر ما في بلدها من تخلّف سياسي واقتصادي وثقافي، ومن هنا ظهرت الحركات الاصلاحيّة التي تتبنّى مشاريع مختلفة للخروج بالبلاد من حالتها المتردية. وعلى الرغم مما تملكه ايران من ثروات مادية وبشرية هائلة وموقع استراتيجي هام في المنطقة فانها بقيت طوال تلك المدّة ضمن البلدان المستوردة المستهلكة، وظلت قطاعات كبيرة من الشعب تعيش في فقر مدقع. ونستطيع أن نحكم دون أن نخشى زللاً أن السبب في ذلك التخلف كان يعود الى انفصال مشاريع التنمية عن ثقافة الأمة ومزيجها الروحي والعقائدي. وبعد قيام الجمهورية الاسلامية شهدت الأيام الاولى لقيامها حركات مسلحة لإسقاطها، واضطرابات أمنية عمّت محافظاتها، ولكنها سجلت من خلال مشروع" جهاد البناء "انتصارات هامة في حقل التنمية لا يمكن فهمها إلاّ على ضوء الروح الثقافية المتبلروة في الروح الجهادية التي عمّت البلاد يومئذ. ثم مالبثت أن واجهت حرباً استغرقت العقد الاول من عمر هذه الدولة. وللحرب ظروفها الاقتصادية والفنية والانتاجية الخاصة، وفيها أيضا كانت الروح الثقافية الجهادية واضحة كل الوضوح في مواجهة التحديات الاقتصادية. وبعد الحرب بدأت عملية إعادة البناء، وظهر على الساحة مشروعان للتنمية لكل منهما منطلقاته الثقافية. الاول – يرى أن عملية البناء الاقتصادي لابدّ أن تتم وفق نموذج خاص بالارضية الثقافية التي خلقتها الثورة وبلورتها الروح الجهادية. والثاني – يرى أن العملية يجب أن تتم وفق المعادلات السائدة في ساحة البلدان التي حققت أرقاماً ممتازة في التنمية مثل بلدان جنوب شرقي آسيا، ولابدّ من تحمّل التبعات الثقافية السيئة لعملية التنمية وفق هذا النموذج. وكانت قيادة عملية البناء بعد الحرب بيد أصحاب المشروع الثاني، وقد حققوا نجاحات جيدة في الإعمار وفي معدلات التنمية، وفي إخراج ايران من آثار الحرب المدمّرة. لكنّ التبعات كانت كثيرة تمثلت في الديون، وغلاء المعيشة، والتضخم المستمر، وارتفاع نسبة البطالة، ومايستتبع ذلك عادة من سلبيات اجتماعية وثقافية. وبعد حكومة عملية البناء جاءت حكومة أخرى ركزت على التنمية السياسية والاجتماعية فأطلقت حرية الصحافة والنشر والانتاج السينمائي، ورفضت سيطرة الفكر الواحد على الساحة الثقافية والاعلامية، ورأت ذلك مقدمة ضرورية يجب أن تسبق عملية التنمية الاقتصادية، وكان لهذا التيار الذي اتخذ اسم" الاصلاحي "مؤيدوه معارضوه. وفي ١٤ / ٨ / ١٣٨٢هـ. ش (٤ نوفمبر ٢٠٠٣) وُضِعت خطة تنظر في أفق إيران للسنوات العشرين القادمة. وتركز على التنمية بالمفهوم الاقتصادي والثقافي معاً. غير أن القائمين على أمر الشأن الثقافي في هذه الخطة يجدون أنفسهم في تعارض أحياناً مع القائمين على الشأن الاقتصادي. ومساحات هذا التعارض تتلخص في إمكان أن تكون عملية التنمية متعارضة مع كرامة الانسان وحقّه في التمتع بكل امكانات الرفاه، ومع التحرر من التبعية السياسية الاقتصادية، ومع وقاية البيئة من التلوث، ومع المحافظة على الثوابت الدينية. وهذا السجال قائم بين الفريقين ضمن اطار المجلس الاعلى للثورة الثقافية وضمن إطار مجلس تشخيص مصلحة النظام بل وفي مجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) أيضا، وهو سجال نأمل أن ينتهي الى بلورة مفهوم عن التنمية يرتبط بمزيجنا الحضاري ويحافظ على ثوابتنا الثقافية.